شكل موضوع إحداث محطة حرارية باسفي حدثا غير عادي بالنسبة لساكنة المدينة ومنتخبيها الدين سارعوا إلى عقد لفاء دراسي إعلامي ، خرجوا من خلاله برفض المشروع مستدلين في ذلك بالكوارث البيئية التي من الممكن أن يسببها.
وبعيدا عن قرارات المنتخبين وأهدافهم الحقيقية من الزوبعة، فالملاحظ أن الفكرة ليست وليدة اللحظة. فقد سبق لوزير المالية الاتحادي السابق السيد" فتح الله ولع"و أن أشار إليها في احد اللقاءات التي نظمها حزب الاتحاد الاشتراكي بالمدينة ،عندما تحدث عن مشاريع طاقية هامة في طريقها لإقليم اسفي. وهي الفكرة التي لم يناقشها الحاضرون مع القائد الاتحادي لعدم معرفتهم بطبيعتها.
أما الآن وبعد الإعلان عن بناء محطة حرارية بالإقليم، تحركت كل فعاليات المجتمع معلنة رفضها لمشروع مهم اقتصاديا لبلدنا لكنه كارثة بيئية حقيقية بالإقليم بعد الكارثة الأولى التي ابتلت بها المدينة والمتمثلة في المصانع الكيماوية والتي لم تجلب للمدينة سوى الأمراض وهروب الأسماك التي كانت تشكل احد أهم روافد اقتصاد مدينة اسفي. والظاهر أن الكارثة الجديدة تأتي لتكمل ما تبقى من أمل في عودة قطاع الصيد البحري إلى سابق عهده ،وتقضي على أي طموح سياحي لإقليم لازل يتلمس طريق النجاة من سنوات طويلة من التهميش والحرمان من كل المشاريع الحيوية.
وان كان البعض يرى في المشروع بنية تحتية مهمة جادت بها الحكومة على اسفي في أفق الانتظارات المحتملة لمغرب ما بعد 2010 . إلا أن الحقيقة غير ذلك، فاقليم اسفي يحتاج للكثير من البنيات التحتية وضعت في ثلاجة من طرف الحكومات المتعاقبة من قبيل الطريق السيار وربطه بخط سككي مباشر مع كل من مراكش والبيضاء، ومشروع سقي سهل عبدة المقبر مند أزيد من ربع قرن، وخلق جامعة حقيقية باسفي خصوصا بعد التهريب الذي تعرضت له عدة مشاريع تعليمية عليا كانت مبرمجة بالمدينة، ورفض الحكومة لعدة مشاريع سياحية والتماطل في بعضها كما جرى مع المشروع السياحي للصويرية القديمة.
كل هذه الانتظارات كانت الساكنة تتوق إليها وأقبرتها كل الحكومات المتعاقبة. مما يجعل الجميع يشك فعلا في فكرة إقامة محطة حرارية بالإقليم وكأنه تحول فقط إلى مزبلة بيئية للحكومات المغربية . خصوصا وان المشروع تم رفضه من عدة أقاليم، فلماذا اسفي بالضبط؟ ولماذا اختيار منطقة تبعد ب6 كيلومترات عن أهم متنفس سياحي كانت ساكنة الإقليم تنظر إليه بشوق أن يجلب مشاريع سياحية ضخمة تحل بعض من مشاكل البطالة والتهميش عن الإقليم؟
الظاهر أن مشروع المحطة الحرارية جاء ليقبر أي تطور سياحي بالمنطقة المذكورة واستجابة للوبيات رفضته داخل حكومة "جطو" لإعطاء الامتياز لمشاريع سياحية مجاورة.
إن إقليم اسفي محتاج لعدة بنيات تحتية مهمة تؤهله لدخول ما ستجود به العولمة على العالم النامي. فحينها ،أي إقليم غير مستعد لن يكون له أي دور في مغرب ما بعد 2010.
لكن الظاهر أن الحكومة تنظر للإقليم نظرة دونية، فلا يصلح له إلا مشاريع الكوارث البيئية.ف حتى مشروع إحداث مزبلة جديدة بعيدة عن المدينة لازال بين رفوف الحكومة، وكان قدر ساكنة اسفي هو التلوث فقط وإنتاج الثروة الوطنية دون أن يستفيد منها. فقد أقبرت الكوارث الأولى عدة قطاعات أبرزها قطاع الصيد البحري. وستقبر الثانية - إن نفدت - ما تبقى من أمل في رؤية الإقليم بمشاريع سياحية مع ما يرتبط بها من صناعة تقليدية.
إن رفض المشروع واجب على جميع الساكنة التي يجب أن تتجند من خلال فعاليات المجتمع المدني للضغط على الحكومة للتراجع عن جعل إقليم اسفي مزبلة بيئية للمغرب ، بل اكثر من ذلك : قنبلة موقوتة.
نور الدين ميفراني