Le cas de SAFI
في إطار أنشطة مهرجان"امواج اسفي" ، استضافت الخزانة الجهوية مائدة مستديرة حول موضوع : " الذكاء الثقافي من النظرية إلى التطبيق . اسفي نموذجا : L’Intelligence culturelle du concept a la pratique.Le cas de Safi " .كانت أرضيتها مداخلة الدكتور سعيد اللقبي.
انصبت المداخلة في مطلعها على الشرح و التأطير التاريخي لمصطلح L’Intelligence culturelle الذي ظهر في بداية التسعينات بكندا على الخصوص ، حيث كان استعماله بسيطا يرمز إلى كيفية التعامل مع الحساسيات الثقافية بين مختلف الشعوب إلى أن اتخذ بعدا آخر مع Jean- Claude le Monier في أواخر التسعينات ، بعد يعتبر امتدادا لمجموعة من المفاهيم التي بدأت تخرج إلى الوجود منذ الخمسينات، الفترة التي تميزت بطغيان ما يصطلح عليه بمجتمع التواصل Société de communication . والذي بدا ضروريا خاصة بعد تحقق مقولة " القرية الصغيرة " لمكلوهان . وصار للتواصل دور رئيسي في التعامل بين مختلف مكونات هذه القرية العالمية . نظرا لتشابك العديد من العلاقات التي تختلف باختلاف الشعوب. وأصبح من الضروري العمل على التشبث بالهوية وحسن تاطير الصورة الحضارية المقدمة للآخر. هنا إذا يأتي دور "الذكاء الثقافي" .
أعطى الدكتور اللقبي أمثلة في هذا المجال للتوضيح ، كالتسويق الثقافي الذي تبنته فرنسا عند استثمارها في بناء متحف اللوفر الذي صارت قيمته الثقافية تدر مداخيل مادية مهمة ، والمغرب بدورة انتبه إلى أهميته وتبناها على عدة أشكال كمهرجان كناوة مثلا. و التسويق الثقافي بالنسبة للمتدخل ينبني على ركيزتين :
- التشخيص الذاتي : والذي لا يتحقق إلا بالمقارنة مع الأخر سواء كان رمزيا أو حقيقيا.
- عدم إقصاء الآخر : أي أن استثمار الحضارة دون مسخ والحفاظ على الهوية لا يعني إقصاء هوية حضارة الآخر.
بعد هذه المقدمة طرح سؤال جوهري نفسه : كيف يمكن المزج والتوفيق بين ما هو ثقافي وما هو اقتصادي؟ من هذا السؤال دخل المحاضر إلى الشق الثاني من مداخلته بطرح سؤال آخر : ماذا يمكن أن تقدم مدينة اسفي في هذا المجال؟
إن مدينة اسفي تتوفر على موروث ثقافي ذو قيمة عالية، وقد حاول بعض أبنائها الذين انتبهوا إلى ذلك العمل على تسويق هذا المنتوج ، وصمموا عدة مشاريع متكاملة بهذا الخصوص إلا أنها ظلت سجينة الرفوف لعدة أسباب لعل أهمها ضعف إرادة المسؤولين عن الشأن المحلي بهذا الخصوص ، والى العقلية السائدة التي لم تستوعب بعد مدى أهمية مشاريع كهذه في خدمة الصالح العام.خصوصا أن مدينة اسفي بدأت تفقد العديد من المؤهلات التي كانت نقط قوتها. كالفلاحة التي لايمكن تطويرها نظرا لعوامل جغرافية كنذرة المياه ، أو الصناعة التي تراجعت بشكل كبير نظرا لعدة أسباب .أضف إلى ذلك غياب المدينة عن اغلب استراجيات الدولة ومشاريعها الكبرى نظرا لضعف أداء ممثليها وعدم ايلائهم المجهود الكافي لفرضها داخل هذه الاستراتيجيات .يبقى الإرث الثقافي وحده قادرا على رد الاعتبار لمدينة اسفي الضاربة في القدم والتاريخ ، و هو يحتاج إلى كبير العناية للحفاظ عليه ، وحسن الاستغلال و الترويج له حتى تصبح المدينة احد أقطاب السياحة الثقافية بالمغرب.
بعد ذلك ينتقل الدكتور سعيد اللقبي إلى تحليل مختلف العناصر المكونة للإرث الثقافي لمدينة اسفي التي وصفها ب"المغرب الصغير " نظرا لكون تراثها وذاكرتها الثقافية و الاجتماعية لها مكونات متعددة ومختلفة، يحددها كالآتي:
1- العنصر الأوروبي : ويظهر جليا في مختلف البنايات التاريخية خصوصا البرتغالية منها و التي أصبحت تتلاشى في غياب تدخل الدولة لترميمها نظرا لما يتطلبه ذلك من ميزانية ضخمة. كما يظهر في مختلف المصطلحات التي ما تزال مستعملة في الشارع المسفيوي إلى اليوم.
2- العنصر اليهودي (السفردين) : فالتواجد المهم لليهود عبر التاريخ بالمدينة و الذي ما تزال آثاره جلية خصوصا في الطبخ ، كما أن اسفي هو المدينة المغربية الوحيدة التي لم يسكن يهودها منعزلين في "الملاح" ، بل تجاوروا مع المغاربة . هذا العنصر جد مشجع لسياحة الذاكرة " Tourisme de mémoire ". حيث نلاحظ أن الحنين يعود بمجموعة من المغاربة لزيارة المدينة وممارسة بعض الشعائر بها (كزيارة ضريح أولاد بنجميرو) . إلا انه -لأسباب سياسية - يبقى الهاجس الأمني حائلا دون استثمار هذا العنصر.
3- العنصر الإفريقي : و الذي يتمثل بالخصوص في موسيقى كناوة، وقد أحسنت مدينة الصويرة استغلاله.
4- العنصر الأندلسي : حيث تعتبر اسفي – جغرافيا - آخر المدن المغربية التي نزح إليها عرب الأندلس ، وما تزال بصماتهم واضحة في الموسيقى الأندلسية بالمدينة ، وفي عادات وتقاليد العديد من العائلات العريقة بها.
5- العنصر الأمازيغي: فالأصل البربري للمغرب ما يزال ضاربا بجذوره في المدينة ، ودليل ذلك عدة مصطلحات كتلك المبتدئة بالتاء خصوصا في أسماء السمك (تازناكت مثلا).
6- العنصر العربي الإسلامي : ويعتبر العنصر اللحمة بين كل العناصر السابقة الذكر ، فمنذ دخول عقبة بن نافع وتعاقب الدعاة الأوائل ( كسيدي شيكر"شاكر" والشيخ أبي محمد صالح) ، اكتسبت اسفي ذاكرة عربية إسلامية غنية يمكن استغلالها على المستوى الثقافي/الاقتصادي ، وأعطى المحاضر مثالا ببعض قرى الأطفال بأوروبا والتي تضم مجموعة من الألعاب أفكارها مستوحاة من التاريخ و الحضارة الغربية. و القصص التي تحملها ذاكرتهم . كما أن مهرجانات التصوف قد تتحول إلى رافد سياحي مهم ، وأعطى المثال بملتقى سيدي شيكر الذي كان له اثر كبير على المنطقة وساكنتها.
بعد هذه المداخلة القيمة ، انطلقت تدخلات الحضور لاغناء النقاش ، حيث أشار بعض الحاضرين إلى ظاهرة عودة اليهود المغاربة واقتناء المنازل بالمدينة العتيقة لتحويلها الى رياضات ، لتتوقف هذه العملية فجأة دون معرفة أسباب انطلاقها أو توقفها .ثم كيف أن المدينة غلب عليها التوجه العقاري في السنوات الأخيرة على حساب ما سواه. وأشار تدخل آخر إلى إن الثقافة حق مشروع وليس ضرورة تفرضها الظروف الاقتصادية المتراجعة للمدينة. كما نبه الحاضرون لغياب وكالة لتنمية مدينة اسفي على غرار مجموعة من المناطق بالمغرب.
لم يغب مهرجان "أمواج اسفي" عن النقاش ، حيث طرح من جديد ضرورة اتخاذه لهوية خاصة تميزه اقتداء بالمهرجانات الثقافية الناجحة بالمغرب كموازين ومهرجان كناوة ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس. وهو عامل أساسي في النهوض بالمهرجان وتأهيله لتسويق المنتوج الثقافي للمدينة بشكل أكبركما وكيفا.