لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة حبي
ولكن عسر الحال ماساتي
هل تعلم عزيزي القارئ بان هذه الكلمات التي يتغنى بها "كاظم الساهر" هي وليدة قصة حقيقية عاشها شاب عراقي يدعى "حسن المرواني" ، الذي عشق فتاة في نفس الجامعة التي يدرس فيها وكانت تدعى "سندس" . إلا أن فقر هذا العاشق حال دون تجاوب الحبيبة معه، فقد تزوجت من طالب آخر يتميز بالثراء. هذه الصدمة كانت سبب إنشاد الشاعر لقصيدة "أنا وليلى" أمام الملا بالجامعة نفسها. ومرت على القصيدة السنين قبل أن يحولها المغني العراقي إلى أغنية يرددها بعده الشباب العربي.
"حسن المرواني" ليس أول عاشق يهزمه الفقر ولن يكون الأخير.فلطالما حالت الظروف المادية الصعبة دون استمرار حكايات جميلة لعشاق عبر العالم، كما أن عشاقا كثيرين تحدوا العالم والظروف وانتصروا لحبهم. الموضوع أزلي ابدي، يتحدث به العشاق ويناقشه علماء الاقتصاد والاجتماع، كما يدونه التاريخ والأدب وتتغنى به الأشعار:جدلية الحب والفقر، أو كما نقول بالدارجة المغربية الحب و "الزلط":من المنتصر ومن المنهزم في هذه المعركة الخالدة طالما للبشرية وجود ؟
بحثنا عن جواب لهذا السؤال بين ما كتب وما صرح به بعض المستجوبين، فكانت النتيجة الانقسام إلى فريقين: فريق تبنى المثل الإنجليزي الشائع:{عندما يدخل الفقر من الباب يخرج الحب من النافذة} ، بينما تغنت الفئة الثانية بأبيات نزار قباني:{الحب مواجهة كبرى
إبحار ضد التيار } وهي مواجهة تنتهي في نظرهم دائما لصالح الحب الحقيقي.
تعالوا نسمع قصص العشاق و غير العشاق(الحضايين) من الجبهتين.
الفئة الأولى:
- {الحب يستطيع فعل الكثير ، المال يستطيع فعل كل شيء}مثل أسباني .
لو حاولنا تعريف الحب لما استطعنا انهاء المقال نظرا لكثرة التعاريف التي تقدم هذه العاطفة الانسانية . لذا سنقتصر على تعريف الكاتب "أنيس منصور" و الذي نعتبره الأقرب إلى تصورنا حيث يقول:{الحب هو أن تحتاج إلى شخص واحد في كل هذه الدنيا}.
أما الفقر أو "الزلط" فهو غني عن التعريف ، حيث انه آفة اقتصادية اجتماعية تخص العدد الغالب من مواطني دول العالم الثالث على وجه الخصوص . وهي تتمثل في عدم قدرة الأشخاص و الأسر على الحصول على الحاجيات الضرورية للعيش الكريم. رغم أن هذا المفهوم بدوره طالته تغيرات العصر، حيث لم يبعد يقصد بحاجيات العيش الكريم المأكل والملبس والمسكن وحسب،بل دخلت ضمنها بعض أنواع الكماليات . ولا مجال للتفصيل في هذا الحديث هنا.
المهم، الحب الذي نقصده في موضوعنا هو ذلك الذي يجمع بين الجنسين، ويكون الأمل منه ما يسمى بالنهاية السعيدة أي الزواج. لكن من المؤكد أن الصراع بين الحب والفقر يبدأ ببداية العلاقة، حيث يفضل الفتيات الشبان الذين يتوفرون على سيارة، ويقدمن لهن الهدايا والفسح الجميلة المكلفة، كما يفضل الشبان البنات الجميلات الأنيقات اللواتي لا يمضين الوقت في الشكاوي من الظروف...وطبعا كل هذا تكون النقود وراء تحقيقه. الشيء الذي يجعل القليل من هذه العلاقات يصل إلى الزواج. وإذا وصل، يبدأ الاختبار الحقيقي لشخصية الطرفين ومدى حب كلاهما للآخر وتشبثه به.
فكما نعلم الزواج هو مشروع مجتمعي يحتاج إلى مصاريف عديدة، وتترتب عنه مسؤوليات على عاتق الزوجين معنوية ومادية بالأخص. بدءا بسؤال عائلة العريس عن المستوى الاجتماعي للفتاة التي اختارها، وهل هل بامكانها مساعدته على تكاليف الحياة أم أنها ستكون مجرد "ربة بيت بدون".... مرورا بسؤال الأب للخاطب عن عمله وأجرته، ومقدار الصداق وحجم الهدايا التي سيقدمها لعروسه، وحفل العرس.... وصولا إلى بداية تأثيت عش الزوجية، وتكاليف الحياة اليومية، والأولاد، و"الكريديات"...متاهة لا أول لها ولا آخر.
سألنا منى الشابة ذات التسعة عشر ربيعا في الموضوع فقالت: {إن استفحال الأزمة الاقتصادية وما أنتجته من بطالة في أوساط الشباب والفتيات وتدني الأجور، وضع الفتيات أمام حائط مسدود. فتشوشت رؤيتهن وفقدن شغف الانتصار لعواطفهن طالما أنها بلا أفق. فحين يدخل الفقر من الباب يولي الحب هارباً من كل النوافذ!}
وفي شهادة عن تجربة حقيقية أدلت بها الفنانة "عائشة مهماه" إلى إحدى المجلات تقول: {...كنت أعاني أنا وزوجي الفنان "ميلود الحبشي" من ضيق ذات اليد بسبب مدخولنا الهزيل من عملنا المسرحي،مما جعلنا نعتمد على مساعدات أسرتنا التي كانت تتكلف بمصاريفنا الشخصية ، لكن بعد أن طالت السنوات دون أن يتحسن الوضع المادي قررنا أن ننهي زواجنا وعلاقة حبنا القوية التي دمرها العوز ، واخترنا الطلاق كتضحية منا لنقلص من حجم معاناتنا بعد أن أنجبت منه طفلا}*1.
كثيرا ما يعزى تدخل الجانب المادي وانتصاره على الحب إلى جشع المرأة وطمعها وتعلقها بالمظاهر وكثرة طلباتها، في مقابل محدودية دخل الزوج.وفي ذلك قول الشاعر :
فان تسألوني بالنساء فإنني***خبيــر بـأدواء النســاء طبـيــب
إذا قل مال المرء أو شـاب***رأسه فليس له في ودهن نصيب
وفي هذه العلاقة الجدلية بين الرجل و المرأة والمال يقول الصحفي "عبد الله الدامون":{هناك سؤال أزلي طرحه الكثير من الفلاسفة حول هذه العلاقة غريبة الأطوار بين المرأة و المال ، ومن الأكثر هوسا بجمع المال ، هل الرجل أم المرأة ؟ بعض النظريات تقول إن المرأة تبحث عن الرجل لأنه طريقها نحو المال ، وان الرجل يبحث عن المال لأنه الطريق نحو المرأة ، هذا يعني أن هدف الرجل في النهاية هو المرأة ، وان هدف المرأة في النهاية هو المال }*2
وإذا كانت المرأة فعلا هي الطرف المتسبب في سطوة المال على الحب، ومعاناة الشباب من هذه المعضلة، فكيف نفسر إذا الإقبال المتزايد على النساء العاملات من اجل الزواج بهن؟ وكلما ارتفعت قيمة راتبهن كلما ارتفع عدد عرسانهن. أو كيف نفسر زواج الشباب من أجنبيات وحتى مغربيات مسنات لمجرد الحصول على أوراق رسمية في بلد ما أو عيش وارث يحققان الأمان المادي؟
من بين الشهادات، قالت لنا "نادية" :{ أحسن شيء للرجل هو "الزلط" .، فعندما يكون جيبه خاليا يكن في المنزل مع أسرته أو يجلس في المقهى مع أصدقائه إذا استطاع إلى ذلك سبيلا.أما عندما "يترفح " وخصوصا إذا كانت لديه سيارة، فانه يضرب بالحياة الأسرية عرض الحائط، وتصبح الزوجة "أم الوليدت" فقط (هذا إذا بقيت كذلك). أما أجمل أوقاته فتلك التي يقضيها في جلسات انس مع نساء أخريات في سن وجمال زوجته...عندما رآها أول مرة !}
"خالد" بدوره أصبح يفضل زوجة بإمكانيات مادية محدودة حيث:{إن المشكل الأساسي الذي أدى إلى طلاقي من زوجتي هو أجرتها الشهرية التي تضاعف دخلي ثلاث مرات ،وكذا تباهيها المستمر بعائلتها الغنية .حيث كنت أحس دائما أنها تنظر إلي من فوق، وتذكرني طوال الوقت بكل درهم ساهمت به في تدبير المنزل أو حاجيات الأبناء. حتى اصبحت أحس بانقباض في صدري كلما كنت عائدا إلى البيت}.
على كل ، إن ما سبق من آراء يؤكد لنا قول "أنيس منصور" :{الزواج كالإعدام: لا يقضي علي الحب وإنما يعطل طابور الراغبين فيه!}. هذا الكلام ينطبق مع رأي عشاق هزمهم الفقر، فما رأي الفئة الأخرى التي استطاعت تحدي الفقر و الانتصار لأحلامها ؟ وكيف تمكنت من ذلك؟
الفئة الثانية
إني لا أؤمن في حبٍ..
لا يحمل نزق الثوار..
لا يكسر كل الأسوار
لا يضرب مثل الإعصار..
نزار قباني
شاعرنا بالتأكيد رومانسي حالم ، لكنه ليس الوحيد لحسن الحظ. فهناك شباب عديدون لهم نفس التصور ومستعدون للنضال من اجل الظفر بالإنسان الذي اختاروه رفيقا لحياتهم رغم كل الظروف المادية القاسية المحيطة بهم. وسندهم في ذلك كما يقول احد الشباب على الانترنيت :{ الفقر لا يقتل الحب لان الحب ليس له دخل بالفقر ولا ننسى قول الله تعالى"المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، فالله قدم المال على البنون ،ولكن المال هنا زينه وليس جالبا السعادة. لكن نظل في حاجه إليه حتى تستقيم الحياة ونتمكن من قضاء الحوائج.فهو ليس شرطا للعيش الهانئ لان شروط الحياة الزوجية السعيدة عديدة والمال جزء فقط منها.}
وعن حكايتها مع الحب و "الزلط" تقول "أمينة" :{إن نجاح حكايتي مع زوجي تجعلني أتفاءل عند رؤية كل عاشقين. فقد عرفنا بعضنا ونحن ما نزال في المرحلة الثانوية، وكان لكلينا من المشاكل المادية ما يكفي لهدم جبال ، ومع ذلك استمرت علاقتنا بتحد وكبرنا وكبرت معنا أحلامنا. وقد تمكنا من تحقيق العديد منها بعدما قطعنا عشرين سنة معا. واعتقد أن سبب نجاحنا – إضافة إلى الحب القوي والانسجام في الأفكار و الميولات – هو اننا لم نبن علاقتنا على أساس الزواج الحتمي ، وإنما كان كل منا يسعى إلى تحقيق ذاته على حدى ، وساعدنا بعضنا معنويا إلى أن فرض الزواج نفسه ذات يوم بعدما اكتشفنا انه لا يمكن لأحدنا أن يعيش دون الآخر. كنا على طبيعتنا ودون تصنع لإيقاع الآخر في الفخ،و هو ما مكننا بعد ذلك من الانتصار على صعوبات الحياة الزوجية.}
أما "خديجة" (وهي سيدة أمية وبسيطة للغاية) فتحكي :{ كانت قصة زواجي صدفة .فقد أحببنا بعضنا أنا و "مصطفى " ابن الجيران وسني لا يتجاوز الثالثة عشر وسنه السابعة عشر. فبعدما اكتشفت أمي حملي سألتني عن الفاعل ، فأخبرتها. أخذتني من يدي وذهبنا إلى والدته ، لم ينكر مصطفى. اصطحبتنا –أمه وأمي –إلى اقرب عدول وزوجانا. أخدنا نسكن عند والدته لفترة وعند والدتي لفترة أخرى، وكلاهما أرملتين تعملان في نفس "الفابريكة".اليوم عندما نتذكر كيف تمكنا من تربية أبنائنا الخمسة ، وشراء منزل كبير خاص بنا ، وسيارة وحتى توفير بعض المال للمستقبل ،نحس بالسعادة ونشوة الانتصار. بدايتنا كانت خاطئة وهو ما نجحت في أن أجنب بناتي الوقوع فيه إلى أن تزوجن "بالهمة و الشان " ،لكن الله لم يتركنا وغفر لنا طيشنا. }
كل هذه الشهادات مؤثرة ، لكننا نعتبر ما تردده الأمهات الطيبات -"الزمانيات" كما نسميهن- هو أجمل بكثير .فهن يحكين كيف كان الاحترام المتبادل سائدا بينهن وبين أزواجهن، وكيف أن أبنائهن كنز حافظن عليه بكل ما يملكن من قوة. وكذلك الآباء الذين أصبحوا جدودا اليوم ، يتحدثون عن القناعة والاكتفاء برزق اليوم في انتظار غد يكون أحسن ، دون أن يؤثر ذلك على حبهم لزوجاتهم وأبنائهم.
وحتى لا نكون ماضويين ، قمنا باستجواب مجموعة من الشباب عن موقفهم من هذه الإشكالية ، فصرح اغلبهم بان الحب شيء جميل ،وان الصراحة والتفاهم و الصبر هما أساس نجاح العلاقة بين الحبيبين قبل وبعد الزواج.
الحب موجود دائما إذا ، وكذلك الفقر ، وبينهما حبل مشدود يميل إلى الجانب الأقوى . فكلما ضعف احديهما تقوى الآخر. وفي ذلك فليتمعن العشاق.
"ابراج"
الهوامش
* 1-"عائشة مهماه" –مقال بعنوان :" فنانات يفسرن فشل زواجهن" –مجلة "نجمة" –عدد 16 أكتوبر 2008.
* 2-"عبد الله الدامون" –مقال بعنوان " المال و النساء زينة البنك الدولي و المغادرة الطوعية" – جريدة "المساء " –العدد 656/29( 1 أكتوبر 2008).