مجرد رأي
هل أجور البرلمانيين مرتفعة؟
مع كل انتخابات برلمانية يطفو للسطح نقاش واسع بين الشباب حول أجور البرلمانيين والامتيازات التي يحصلون عليها .إذ يعتبرها الكثيرون مرتفعة جدا ويجب حذفها أو تعديلها بشكل كبير نحو النقصان .
وشاءت الظروف أن أتحدث مع مجموعة من الشباب حول الموضوع من خلال استطلاع بخصوص موضوع "الشباب والانتخابات" ، فسمعت تعليقات بعضها مضحك والبعض الآخر ينم عن حنق كبير تجاه أجور البرلمانيين .فمن قائل أنها "كثيرة على سيدي بلعباس" ،لقائل أنها فضيحة حقيقية في المغرب.الكل ينظر لأجور البرلمانيين نظرة تذمر واستكثار دون حتى الدخول في نقاش هل يستحقونها أم لا ؟
وبالنظر لتجارب عدة بلدان لايخل تقريبا برلمان في العالم من التعويضات. فكل البرلمانيين يتلقون تعويضات حتى في الدول الأكثر ديمقراطية ،عل اعتبار أن المهمة البرلمانية هي شأن عام يخدم صالح البلاد، ويستلزم بالتالي أن تصرف عليه الدولة وليس البرلماني.
نعتقد أن التذمر العام حول هذا الموضوع بالمغرب هو ناتج بالأساس لفكر سياسي متخلف في مجتمعنا. حيث شكلت سنوات التدجين فرصة أمام الدولة لدفع الشعب نحو فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة والمرشحين والفائزين والأحزاب والنقابات وحتى المجتمع المدني .ونتج عن ذلك جهل تام بمهام البرلماني ودوره وسط المجتمع. ليتحول البرلمان – في نظر العامة - لمكان خصب للانتهازيين والباحثين عن المصالح، دون نسيان الهاربين من القانون والباحثين عن الحصانة .ومن غرائب السياسة ببلادنا أن الدولة التي كانت سببا في التدجين محتاجة اليوم لمنتخبين حقيقيين ومؤهلين لزرع الثقة في المواطن الذي لم يعد قادرا على الفهم والاستيعاب.
رغم كون الجميع مصر عل أن أجور البرلمانيين فضيحة ،فالواقع عكس ذلك بالنسبة لبرلماني مسؤول ويشتغل بضمير .فإنتخاب شخص في البرلمان يتطلب عدة مصاريف قارة وبعضها استثنائية . تبدأ من حضور الجلسات واللجان ،لفتح مكتب وتشغيل أشخاص لاستقبال شكايات المواطنين وملفاتهم ومصاريف الدفاع عنهم إن لم يستلزم الأمر اللجوء للقضاء .وتقدر أجور البرلمانيين المغاربة بحوالي 40 ألف درهم ،وهي أجرة تبدو في الصورة كبيرة جدا، لكن لو تحدثنا عن برلماني يقطن بعيدا عن العاصمة فقد تكون غير كافية. فمصاريف حضور جلسة برلمانية للرباط وقضاء 3 أيام قد تصل لحدود 7000 درهم ،وإذا كانت أربع مرات في الشهر فتتطلب قيمة الأجرة بكاملها . وإذا أضفنا لها مصاريف المقر – حيث يقيم مكتبه لاستقبال المواطنين – وأجور المشرفين عليه نكون أضفنا أجرة موظف في السلم الخامس . وعكس ما يعتقد الكثير من الشباب، فالبرلماني ليس ملزما بتأدية تلك المصاريف من جيبه وإلا فإننا ندعوه ليسرق وينهب المال العام ،بل من المفروض أن تتكفل الدولة بها حتى يقوم البرلماني بعمله ويحاسب عليه .
لكننا بالمقابل نعتبر أن إعطاء أجور للبرلمانيين بدون محاسبة هو جريمة في حق المال العام.فعندما ينتخب شخص لا يحضر سوى جلسات الإفتتاح التي يرأسها الملك نكون نساهم في تمييع الحياة السياسية . فمن المفروض أن يحاسب البرلماني عن كل "ريال"يصرف له، وفيما يستعمل. حتى نستطيع أن نفرض احترام إرادة الناخبين ولو على الأقل بجعل الحضور للجلسات إجباريا للدفاع عن مصالح من انتخبوه .
و في نفس الإطار تقترح بعض الهيئات السياسية و الجمعيات المهتمة تشكيل لجنة من قضاة محاسبين لمتابعة التعويضات التي تصرف للبرلمانيين ومعرفة مسارها، حتى لا تتحول لإهدار للمال العام. فهي تسلم في الأصل من أجل القيام بمهمة تمثيل الشعب وليس نهب أمواله .
نور الدين ميفراني