نور الدين ميفراني
أثناء الانتخابات الجزئية التي عرفها إقليم اسفي مؤخرا انتشرت ظاهرة جديدة في عالم السياسة ، ولعل شهر رمضان المعظم أوحى بها للمرشحين أو شيء آخر نجهله.الظاهرة تمثلت في إصلاح المساجد وإكمالها تحت "يافطة" الإحسان وبناء دور العبادة تقربا لله أو للناخبين الأمر سيان. وقد تفنن بعضهم في إشهار إحسانه للناس عبر التأكيد أنه لن يدفع ماله للمفسدين، ولكنه مستعد لدفع الملايين لبناء مساجد لله وترميميها وإدخال الإنارة لها ،وهو متأكد أن المتابعة لن تطاله بتهمة استمالة الناخبين أو بتهمة تسييس الدين طالما أن العمل الاحساني مسموح به على مدار السنة وفي شهر رمضان خصوصا.
والظاهر أن مسالة بناء المساجد وترميمها من طرف المحسنين ليست وليدة اللحظة، فهناك محسنين طبعوا إقليم اسفي في هذا المجال: من الفروج إلى بوراوين مؤخرا. ورغم أن وزارة الأوقاف والحكومة كانوا قد قننوا الظاهرة وفرضوا عليها شروطا تكميلية، إلا أن المحسنين تفننوا في القفز على القوانين. فمن بناء المساجد لاستكمالها، ومن الياجور والاسمنت للإنارة والماء والميكروفون والسجائد...
وهكذا أصبحت المساجد طريقا مفروشا للبرلمان والمجالس الجماعية والغرف وكل المسؤوليات المدنية، وتأسست جمعيات احسانية لبناء مساجد وجمع الأموال. لذلك ورغم مرور أزيد من 10 سنوات لازال مسجد حي انس لم يكتمل بعد في بناءه .
هكذا يبدو الأمر طبيعيا، فالله وحده يعلم النيات ،وبناء مسجد أو إصلاحه لن يضر أحدا حتى لو كان الطريق للبرلمان أو الجماعة ،طالما أن العمل إحساني وليس فيه ما يشير لعكس ذلك، ولم يضرب المحسن المصلين على أيديهم للتصويت له ،وهو أفضل من شراء المخدرات والكحول ونصف النعال للناخبين.
لكن احدهم صدمني أثناء الانتخابات الأخيرة وهو يخبرني أن اغلب المحسنين مزورين، وأنهم يلجؤون للسعودية سنويا للاتصال بجمعيات تشجع على بناء المساجد عبر العالم، متأبطين صور وفواتير إحسانهم المنفوخ فيها. لكي يقبضوا ثمنها في الحال، مستغلين في ذلك علاقتهم مع بعض مسؤوليها الذين يأتون للمغرب لممارسة شعائرهم الحميمية في فيلات مفروشة.وشخصيا ظلت أقوال الرجل تتضارب في راسي بين الشك واليقين، إلى أن بلغ إلى علمي أن احد المحسنين لا يدفع نفقة أولاده بينما يدفع بسخاء لبناء وإصلاح المساجد .
هذه الفضائح الجديدة لمحسني الدنيا قبل الآخرة تطرح على الحكومة -وخصوصا وزارة الداخلية والأوقاف- ضرورة التصدي بحزم و يقظة لكل من سولت له نفسه استغلال المساجد لأغراض سياسية، أو وسيلة لتبييض أموال غير مشروعة و لكسب أموال باسم الإحسان. ولا اعتقد أن الدولة غافلة عن هذه الحقائق، وهو ما يزيد الطين بلة.
ولعل الخطاب الملكي الأخير المتعلق بتأهيل الحقل الديني يشكل مرجعا أساسيا للوقوف على كل الاختلالات التي بدا يعرفها حقل المحسنين، والعمل على معالجتها، وجعل بيوت لله للخالق وحده وليس لشيء آخر.